مختصر شرح الخريدة البهية
للشيخ أحمد الدردير
هذبها واختصرها
سعيد فودة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي الجلال والإكرام،
والصلاة على رسوله محمد خير الأنام،
وعلى آله وأصحابه الكرام، وبعد:
فهذا مختصر في العقائد على مذهب الإمام الأشعري،
وهو وإن كان صغيرا في الحجم،
إلا إنه يشتمل على زبدة علم التوحيد.
أقسام حكم العقل ثلاثة: هي الوجوب والاستحالة والجواز.
فالوجوب عدم قبول الانتفاء،
والاستحالة عدم قبول الثبوت،
والجواز قبول الثبوت والانتفاء.
والواجب العقلي هو الأمر الثابت الذي لا يقبل الانتفاء في ذاته.
والمستحيل العقلي هو الأمر الذي لا يقبل الثبوت في ذاته.
والجائز العقلي هو الأمر الذي يقبل الثبوت والانتفاء في ذاته.
وقد أوجب الشرع على المكلف أن يعرف الله تعالى بالمنزلة،
أي أن يعرف الواجب في حقه تعالى والمستحيل في حقه تعالى،
والجائز في حقه تعالى.
وكذلك أوجب الشرع على المكلف أن يعرف الرسل بالمنزلة وبعضهم بالعين.
وكذا أن يعرف أمورا معينة من الدين هي الأمور الضرورية.
وفيما يلي بيان وتفصيل ما أجمل هنا مما أوجبه الشرع في حق المكلفين.
فاعلم أن العالَمَ وهو ما سوى الله تعالى من الموجودات،
حادث مفتقر إلى محدث. والحدوث هو الوجود بعد العدم.
ودليل الحدوث هو التغير،
والتغير في العالم مشاهد أو مستدل عليه.
وهو قائم بالأعراض، فالأعراض حادثة، لأن التغير دليل الحدوث.
ثم إن الأعراض لا تنفك عن الأعيان، ودليل هذا المشاهدة،
وما لا ينفك عن الحادث فهو حادث. فالأعيان حادثة.
إذن العالم كله حادث لأنه إما عرض أو عين.
والحادث مفتقر إلى محدث ضرورة.
ويستحيل أن يكون العالم لا محدَثا ولا قديما. وهو ليس بقديم.
صفات الله تعالى الواجب إثباتها لله تعالى اثنتا عشر صفةٌ.
فالوجود هو عين الموجود، فإثبات الوجود هو إثبات للموجود،
وقد أثبتنا الوجود بالدليل السابق، فلا شكَّ أن كلَّ أثرٍ يهدي إلى مؤثِّرِ.
والوجود صفةٌ نفسيَّةٌ لأنها نفس الوجود.
ويجب إثبات خمس صفات سلبية،
وسميت سلبية لأن مدلول كل واحدة منها سلب أمر لا يليق به سبحانه،
وهذه الصفات هي:
القِدَمُ الذاتي: بمعنى أنه تعالى قديم لذاته، لا لعلة أوجبت وجوده، والقِدَمُ هو سلب الأوليَّة.
والبقاء وهو سلب الآخرية، فالله سبحانه وتعالى لا آخر لوجوده.
والقيام بالنفس: وهو عدم الافتقار إلى محل يقوم به وعدم الافتقار إلى موجد.
والمخالفة للحوادث: بمعنى عدم موافقته لشيء من الحوادث من حيث حدوثه.
والوَحدانية: وهي سلب الكثرة في الذات والصفات والأفعال.
ويلزم عن الوحدانية في الأفعال أنه لا مؤثر ولا خالق إلا الله.
ولهذا يكفر من يقول بفعل ناتج عن طبيعة أو بفعل ناتج عن عادة،
من غير أن يكون لله تعالى فيه اختيار.
وأما من يقول بقوة أودعها الله تعالى في الأَشياء بها يحدث التأثير،
فليس بكافر على الصحيح بل هو مبتدع.
ويجب وصف الله تعالى بهذه الصفات السلبية الخمسة
لأنه لو لم يكن موصوفا بها وبكل واحدة منها للزم حدوثه، تعالى عن ذلك.
وحدوثه تعالى محال عقلا،
لأنه يفضي إلى التسلسلِ إن قلنا إن لكل حادث محدثا إلى ما لا نهاية،
وهو باطل لأنه يلزم عنه الفراغ،
أي عدم وجود العالم، أو يفضي إلى الدور بأن يرجع من أحد أفراد السلسلة إلى الأول،
وهو باطل لأنه يلزم عنه اجتماع النقيضين؛ سَبْقٌ الواحِدِ نفْسَهُ في الوجود.