الفرق بين الحمد والشكر
اختلف أهل العلم في الحمد والشكر هل بينهما فرق ؟
على قولين :
القول الأول :
أن الحمد والشكر بمعنى واحد ،
وأنه ليس بينهما فرق ، واختار هذا ابن جرير الطبري وغيره .
قال الطبري رحمه الله :
" ومعنى( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) : الشكر خالصًا لله جل ثناؤه ،
دون سائر ما يُعبد من دونه .... " ،
ثم قال رحمه الله بعد ذلك : " ولا تَمانُع [ أي : اختلاف ]
بين أهل المعرفة بلغات العرب من الحُكْم لقول القائل :
"الحمد لله شكرًا " بالصحة ،
فقد تبيّن - إذْ كان ذلك عند جميعهم صحيحًا
- أنّ الحمد لله قد يُنطق به في موضع الشكر ،
وأن الشكر قد يوضع موضعَ الحمد ؛
لأن ذلك لو لم يكن كذلك ، لما جاز أن يُقال :
" الحمد لله شكرًا " " انتهى من "تفسير الطبري" (1/138) .
القول الثاني :
أن الحمد والشكر ليسا بمعنى واحد ،
بل بينهما فروق ، ومن تلك الفروق :
1. أن الحمد يختص باللسان ، بخلاف الشكر ،
فهو باللسان والقلب والجوارح .
2. أن الحمد يكون في مقابل نعمة ، ويكون بدونها ،
بخلاف الشكر لا يكون ، إلا في مقابل نعمة .
قال ابن كثير رحمه الله
– في معرض رده على كلام ابن جرير السابق – (1/32) :
" وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر ؛
لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين :
أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية ،
والشكر لا يكون إلا على المتعدية ،
ويكون بالجنان واللسان والأركان ، كما قال الشاعر :
أفادتكم النعماءُ مني ثلاثةً ... يدي ولساني والضميرَ المُحَجَّبا
ولكنهم اختلفوا أيهما أعمّ الحمد ، أو الشكر على قولين ،
والتحقيق أن بينهما عموماً وخصوصاً ،
فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه ؛
لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية ،
تقول حمدته لفروسيته ، وحمدته لكرمه .
وهو أخص لأنه لا يكون إلا بالقول ،
والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه ؛
لأنه يكون بالقول والفعل والنية ، كما تقدم .
وهو أخص ؛ لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية :
لا يقال شكرته لفروسيته ،
وتقول شكرته على كرمه وإحسانه إليّ ،
هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين والله أعلم " انتهى .
وعلى ذلك بنى أبو هلال العسكري تفريقه بين الأمرين ،
قال رحمه الله :
" الفرق بين الحمد والشكر:
الحمد هو الثناء باللسان على الجميل ،
سواء تعلق بالفضائل كالعلم ، أم بالفواضل كالبر .
والشكر: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لأجل النعمة ،
سواء أكان نعتا باللسان ، أو اعتقادا ، أو محبة بالجنان ،
أو عملا وخدمة بالأركان .
وقد جمعها الشاعر في قوله .. [ فذكر البيت السابق ]
فالحمد أعم مطلقا، لانه يعم النعمة وغيرها،
وأخص موردا إذ هو باللسان فقط ، والشكر بالعكس،
إذ متعلقه النعمة فقط، ومورده اللسان وغيره .
فبينهما عموم وخصوص من وجه ،
فهما يتصادقان في الثناء باللسان على الإحسان ،
ويتفارقان في صدق الحمد فقط على النعت بالعلم مثلا ،
وصدق الشكر فقط على المحبة بالجنان لأجل الإحسان " .
انتهى . " الفروق اللغوية" (201-202) .
وقال ابن القيم رحمه الله "مدارج السالكين" (2/246) :
" والفرق بينهما : أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه ،
وأخص من جهة متعلقاته ، والحمد أعم من جهة المتعلقات ،
وأخص من جهة الأسباب .
ومعنى هذا : أن الشكر يكون : بالقلب خضوعا واستكانة ،
وباللسان ثناء واعترافاً ، وبالجوارح طاعة وانقيادا .
ومتعلقه : النعم دون الأوصاف الذاتية ، فلا يقال :
شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه ،
وهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله .
والشكر يكون على الإحسان والنعم ،
فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس ،
وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس ،
فإن الشكر يقع بالجوارح والحمد يقع بالقلب واللسان " انتهى .
والله أعلم